سقاك الحيا الهطالُ يا معهد الإلف   ويا جنة الفردوس دانية العطف
فكم مرَّ لي عيشٌ حلا فيك طعمُه   ليالي أصفى الود فيها لمن يصفي
بسطنا أحاديث الهوى وانطوت لنا   قلوبٌ على ما في المودَّةِ والعطف
فشتتنا صرفُ الزمان وإنَّه   لمنتقدٌ شمل الأحبة بالصرف
كأن لم تَدُر ما بيننا أكؤسُ الهوى   ونحن نشاوى لا نَمُلُّ من الرشف
ولم نقضِ أيامَ الصبا وبها الصَّبا   تمرُّ علينا وهي طيِّبة العُرف
أيام منزل الأحباب مالك موحشا   بزَهرتِكَ الأرياحُ أودت بما تسفي
تعفَّيت يا ربع الأحبةِ بعدهم   فذكرتني قبر البتولة إذ عُفي
رمتها سهامُ الدهر وهي صوائبٌ   بشجوٍ إلى أن جرِّعت غُصص الحتف
شجاها فراقُ المصطفى واحتقارُها   لدى كل رجسٍ من صحابته جلف
لقد بالغوا في هظمها وتحالفوا   عليها وخانوا الله في ذلك الحلف
وما ورّثوها من أبيها وأثبتوا   حديثا نفاه الله في محكم الصحف
فآبت وزندُ الغيظ يقدح في الحشا   تعثَّرُ بالأذيال مثنية العطف
وجاءت إلى الكرار تشكو اهتظامها   ومدَّت إليه الطرف خاشعة الطرف
أبا حسنٍ يا راسخ الحلم والحجى   إذا فرَّت الأبطال رعبا من الخسف
أراك تراني وابن تيمٍ وصحبه   يسومونني مالا أطيق من الخسف
ويلطم وجهي نصب عينيك ناصبُ   العداوة لي بالضرب منيَّ يستشفي
لمن أشتكي إلا إليك ومن به   ألوذ وهل لي بعد بيتك من كهف
وقد أضرموا النيران فيه وأسقطوا   جنيني فوا ويلاه منهم ويا لهف
وما برحت مهظومة ذات علةٍ   تُؤرِّقُها البلوى وظالمها مُغفي(1)

(1) ـ وفاة الصديقة الزهراء (ع) ص144 عبد الرزاق المقرم.