يا دار غادرني جديد بلاك   رثّ الجديد فهل رثيت لذاك ؟!
أم أنت عما اشتكيه من الهوى   عجماء منذ عَجَم البِلى مغناك ؟!
ضفناك نستقري الرسوم فلم نجد   إلا تباريح الهموم قِراك
ورسيس شوقٍ تمتري زفراته   عبراتنا حتى تَبُلّ ثراك
ما بال ربعكِ لا يبلّ ؟ كأنما   يشكو الذي انا من نحولي شاك
طلّت طلولك دمع عيني مثلما   سفكت دمي يوم الرحيل دماك
وارى قتيلك لا يَديه قاتلٌ   وفتور ألحاظ الظباء ظُباك
هيّجتِ لي إذ عجتُ ساكن لوعةٍ   بالساكنيك تَشُبّها ذكراك
لمّا وقفت مسلماً وكأنما   ريّا الأحبّة سقتُ من ريّاك
وكفت عليكِ سماء عيني صيّباً   لو كفّ صوب المزن عنك كفاك
سقياً لعهدي والهوى مقضيّة   أو طاره قبل احتكام نواك
والعيش غضّ والشباب مطيّة   للهو غير بطيئة الادراك
أيام لا واشٍ يطاع ولا هوى   يُعصى فنقصى عنك إذ زرناك
وشفيعنا شرخ الشبيبة كلما   رُمنا القصص من اقتصاص مهاك
ولئن أصارتك الخطوب الى بلىً   ولحاك ريبُ صروفها فمحاك
فلطالما قضّيت فيك مآربي   وأبحتُ ريعان الشباب حماك
ما بين حورٍ كالنجوم تزينت   منها القلائد ، للبدور حواكي
هيف الخصور من القصور بدت لنا   منها الأهلة لا من الأفلاك
يجمعن من مرح الشبيبة خفّة ال   متغزّلين وعفّة النساك
ويصدن صادية القلوب بأعينٍ   نُجلٍ كصيد الطير بالإشراك
من كل مخطفة الحشا تحكي الرشا   جيداً وغصن البان لين حراك
هيفاء ناطقة النطاق تشكياً   من ظلم صامتة البُرين ضناك
وكأنّما من ثغرها من نحرها   در تباكره بعود أراك
عذبُ الرُضاب كأنّ حشو لئاتها   مسكاً يعلّ به ذرى المسواك
تلك التي ملكت عليّ بدلّها   قلبي فكانت أعنف الملاك
إن الصبى يا نفس عزّ طلابه   ونهتك عنه واعظات نُهاك
والشيب ضيف لا محالة مؤذنٌ   برداك فاتبعي سبيل هداك
وتزوّدي من حبّ آل محمّد   زاداً متى أخلصته نجّاك
فلنعم زاداً للمعاد وعدّةٌ   للحشر إن علقت يداك بذاك
وإلى الوصيّ مهمُ أمرك فوّضي   تَصِلي بذاك إلى قصيّ مناك
وبه ادرئي في نحر كل ملمة   وإليه فيها فاجعلي شكواك
وبحبّه فتمسكي أن تسلكي   بالزيغ عنه مسالك الهلاك
لا تجهلي وهواه دأبك فاجعلي   أبداً وهجر عداه هجر قلاك
فسواء انحرف امرؤ عن حبّه   أو بات منطوياً على الإشراك
وخذي البرائة من لظى ببراءة   من شانئيه وأمحضيه هواك
وتجنّبي إن شئت أن لا تعطبي   رأي ابن سلمى فيه وابن صهاكِ
واذا تشابهت الأمور فعوّلي   في كشف مشكلها على مولاك
خير الرجال وخير بعل نساءها   والأصل والفرع التقي الزاكي
وتعوّذي بالزهر من أولاده   من شرّ كل مضلّل أفّاك
لا تعدلي عنهم ولا تستبدلي   بهم فتحظي بالخسار هناك
فهم مصابيح الدُجى لذوي الحجى   والعروة الوثقى لذي استمساك
وهُم الأدلة كالأهلّة نورها   يجلو عمى المتحيّر الشكّاك
وهم الصراط المستقيم فأرغمي   بهواهم أنف الذي يلحاك
وهم الأئمة لا إمام سواهم   فدعي لتيم وغيرها دعواك
يا أمّة ضلّت سبيل رشادها   إن الذي استرشدته أغواك
لئن أئتمنت على البريّة خائناً   للنفس ضيّعها غداة رعاك
أعطاك إذ وطّاك عشوة رأيه   خدعاً بحبل غرورها دلاك
فتبعته وسخيف دينك بعته   مغترّة بالنزر من دنياك
لقد اشتريت به الضلالة بالهدى   لمّا دعاك بمكره فدهاك
وأطعته وعصيت قول محمّد   فيما بأمر وصيّه وصّاك
خلّفتِ واستخلفتِ من لم يرضه   للدين تابعة هوى هوّاك
خلتِ اجتهادك للصواب مؤدّياً   هيهات ما أدّاك بل أرداك
ولقد شققت عصا النبي محمد   وعققتِ من بعد النبي أباك
وغدرتِ بالعهد المؤكد عقده   يوم «الغدير» له فما عذراك
فلتعلمنّ وقد رجعت به على الا   عقاب ناكصةً على عقباكِ
اعن الوصيّ عدلتِ عادلةً به   من لا يساوي منه شسع شراك ؟!
ولتسألنّ عن الولاء لحيدر   وهو النعيم شقاك عنه ثناكٍ
قستِ المحيط بكل علمٍ مشكلٍ   وعرٍ مسالكه على السلاك
بالمعتريه كما حكى شيطانه   وكفاه عنه بنفسه من حاكي
والضارب الهامات في يوم الوغى   ضرباً يقدّ به إلى الأوراك
إذ صاح جبريل به متعجّباً   من بأسه وحسامه البتّاك
لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتىً   إلا عليّ فاتك الفتّاك
بالهارب الفرّار من أقرانه   والحرب يذكيها قناً ومذاكي
والقاطع الليل البهيم تهجّداً   بفؤاد ذي روع وطرفٍ باكي
بالتارك الصلوات كفراناً بها   لولا الرياء لطال ما راباك
ابعد بهذا من قياس فاسدٍ   لم تأت فيه امّة مأتاكِ
أوَ ما شهدتِ له مواقف أذهبت   عنك اعتراك الشك حين عراك ؟!
من معجزات لا يقوم بمثلها   إلا نبي أو وصي زاكي
كالشمس إذ ردّت عليه ببابل   لقضاء فرض فائت الإدراك
والريح إذ مرّت فقال لها : احملي   طوعاً وليّ الله فوق قواك
فجرت رخساءً بالبساط مطيعة   أمر الإله حثيثة الايشاك
حتى إذا وافى الرقيم بصحبه   ليزيل عنه مرية الشكاكِ
قال : السلام عليكم فتبادروا   بالرد بعد الصمت والإمساك
عن غيره فبدت ضغاين صدر ذي   حنقٍ لستر نفاقه هتّاك
والميت حين دعا به من صرصر   فأجابه وأبيت حين دعاك
لا تدّعى ما ليس فيك فتندمي   عند امتحان الصدق من دعواك
والخفّ والثعبان فيه آية   فتيقظي ياويك من عمياك
والسطل والمنديل حين أتى به   جبريل حسبك خدمة الأملاك
ودفاع أعظم ما عراك بسيفه   في يوم كلّ كريهة وعراك
ومقامه ثبت الجنان بخيبر   والخوف إذ وليت حشو حشاك
والباب حين دحى به عن حصنهم   سبعين باعاً في فضا دكداك
والطائر المشويّ نصرٌ ظاهرٌ   لولا جحودك ما رأت عيناك
والصخرة الصما وقد شفّ الظما   منها النفوس دحى بها فسقاك
والماء حين طغى الفرات فأقبلوا   ما بين باكيةٍ إليه وباكي
قالوا : أغثنا يابن عمّ محمد   فالماء يؤذننا بوشك هلاك
فأتى الفرات فقال : يا أرض ابلعي   طوعاً بأمر الله طاغي ماك
فأغاصه حتى بدت حصباؤه   من فوق راسخة من الأسماك
ثمّ استعادوه فعاد بأمره   يجري على قدر ففيم مراك !؟
مولاك راضيةً وغضبى فاعلمي   سيّان سخطك عنده ورضاك
يا تيم تيّمك الهوى فأطعته   وعن البصيرة يا عديّ عداك
ومنعت إرث المصطفى وتراثه   ووليته ظلماً فمن ولاكٍ ؟!
وبسطت أيدي عبد شمس فاغتدت   بالظلم جاديةً على مغناك
لا تحسبيكِ بريئة مما جرى   والله ما قتل الحسين سواكِ
يا آل أحمد كم يكابد فيكم   كبدي خطوباً للقلوب نواكي
كبدي بكم مقروحة ومدامعي   مسفوحة وجوى فؤادى ذاكي
وإذا ذكرت مصابكم قال الأسى   لجفوني : اجتنبي لذيذ كراكِ
وابكي قتيلاً بالطفوف لأجله   بكت السماء دماً فحقّ بكاك
إن تبكهم في اليوم تلقاهم غداً   عيني بوجهٍ مسفرٍ ضحّاك
يا ربّ فاجعل حبهم لي جنةً   من موبقات الظلم والاشراك
واجبر بها الجبرى ربّ وبَرّهِ   من ظالمٍ لدمائهم سفاك
وبهم إذا أعداء آل محمد   غلقت رهونهم فجدُ بفكاكِ