أما ترى الربع الذي اقفرا   عراهُ من ريب البلى ما عَرا ؟
لو لم أكن صبّا لسكانه   لم يجر من دمعي له ما جرى
رأيته بعد تمامٍ له   مقلباً أبطنه أظهرا
كأنني شكا وعلماً به   أقرأ من أطلاله أسطرا
وقفت فيه أينقاً ضمّراً   شذّب من أوصالهن السُرى
لي بأناس شُغلٌ عن هوى   ومعشري أبكى لهم معشرا
أجل بأرض الطف عينيك ما   بين أناس سربلوا العثيرا
حكّم فيهم بغيُ أعدائهم   عليهم الذًُؤبان والأنسرا
تخال من لألاء أنوارهم   ليل الفيافي لهم مقمرا
صرعى ولكن بعد أن صَرّعوا   وقطّروا كلّ فتىً قطّرا
لم يرتضوا درعاً ولم يلبسوا   بالطعن إلا العَلَق الأحمرا
من كلّ طيّان الحشا ضامرٍ   يركب في يوم الوغى ضمّرا
قل لبني حربٍ وكم قولةٍ   سطّرها في القوم من سطرا
تهتم عن الحق كأن الذي   أنذركم في الله ما أنذرا
كانّه لم يقركم ضُلّلا   عن الهدى القصد بأمّ القرى(1)
ولا تدرّعتم بأثوابه   من بعد أن أصبحتم حُسرا
ولا فريتم أدماً «مرّةً»   ولم تكونوا قط ممن فرى
وقلتم : عنصرنا واحدٌ ؛   هيهات لا قربى ولا عنصرا !
ما قدم الأصل أمرءاً في الورى   أخرّه في الفرع ما أخّرا
وغرّكم بالجهل إمهالكم   وإنما اغترّ الذي غُرّرا
حلأتم بالطف قوماً عن ال   ماء فحلّئتم به الكوثرا
فإن لقوا ثَمّ بكم منكراً   فسوف تلقون بهم منكرا
في ساعة يحكم في أمرها   جدُهم العدل كما أُمّرا
وكيف بعتم دينكم بالذي أس   تنزره الحازم وأستحقرا
لولا الذي قدّر من أمركم   وجدتم شأنكم احقرا
كانت من الدهر بكم عثرةٌ   لا بد للسابق أن يعثرا
لا تفخروا قطّ بشيء فما   تركتم فينا لكم مفخرا
ونلتموها بيعةً فلتةً   حتى ترى العين الذي قدّرا
كأنني بالخيل مثل الدبى   هبّت به نكباؤه صرصرا
وفوقها كل شديد القوى   تخاله من حنق قسورا
لا يمطر السُمر غداة الوغى   الا برشّ الدم إن أمطرا
فيرجع الحق الى أهله   ويقبل الأمر الذي أدبرا
يا حجج الله على خلقه   ومَن بهم أبصر من أبصرا
أنتم على الله إليك كما   علمتم المبعثَ والمحشرا
فإن يكن ذنبٌ فقولوا لمن   شفعكم في العفو أن يغفرا
إذا توليتكم صادقاً   فليس مني منكر منكرا
نصرتكم قولاً على أنني   لآملٌ بالسيف أن أنصرا
وبين أضلاعي سرّ لكم   حوشي أن يبدو وأن يظهرا
أنظر وقتاً قيل لي بُح به   وحق للموعود أن ينظرا
وقد تبصرتُ ولكنني   قد ضقتُ أن أكظم أو أصبرا
وأيُ قلبٍ حملت حزنكم   جوانح «منه» وما فُطّرا
لا عاش من بعدكم عائش   فينا ولا عُمّر من عمّرا
ولا استقرت قدمٌ بعدكم   قرارة مبدي ولا محضَرا(2)
ولا سقى الله لنا ظامئاً   من بعد أن جنّبتم الأبحرا
ولا علَت رجل وقد زحزحت   أرجلكم عن متنه مِنبرا

(1) يقركم : يرشدوكم ويهدكم . والقصد . الهدى والرشاد ، وام القرى . مكة المكرمة .

(2) المبدي هو البدو ، والمحضر هو محل احضر .