بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الحادي والعشرون لسنة 1430 هـ . ق

الليلة التاسعة من المحرم الحرام

للشيخ محمد سعيد المنصوري (رحمه الله)

بشبه المصطفى جاءوا قتيلاً   الى خيمِ النسا فعلى العويلُ
وصاحت زييبُ الكبرى بصوتٍ   ودمعٌ من محاجِرِها يسيلُ
لليلى أسرعي هذا عليٌ   شبيهُ المصطفى الهادي قتيلُ
فمذ سَمِعَت بمصرعِه تحنّت   أضالعُها وقد ذاب الغليلُ
غدت تمشي وتعثَر وهي ثكلى   عَراها من مُصيبَتِها الذهولُ
وجاءت تسحبُ الاذيالَ حزناً   وحولَ وحيدِها أخَذَت تجولُ
ووالدُه الحسينُ هوى عليه   وقد أدمت محاسنَهُ النصولُ
يناديه وليسَ به حَراكٌ   بُنيَّ اليومَ فارقنا الرسولُ
على الدنيا العفى يا نور عيني   وبعدكَ غيرَ هذا لا أقولُ
 

* * *

تعناله او عله ابنيه تحسر   او صاح ابصوت منه الصخر ينطر
عله الدنيه العفه بعدك يالاكبر   عگب عينك يريت الكون يعدم
يبويه من عدل راسك او رجليك   او من غمض اعيونك واسبل ايديك
ينور العين كل سيف الوصل ليك   گطع گلبي او لعند احشاي سدر
شالوه الهواشم للصواوين   وهو يمشي او عله ابنه شابح العين
طلعت زينب او باجي النساوين   تِخَمش اخدودها او عالوجه تلطم
هوت فوگه تحب خده اوتشمه   اوغدت تصبغ شعرها ابفيض دمه
عسه ابعيد البله اتگله يعمه   عله التربان نايم يالمشيم
 
عله الاكبر صحت يحسين ونصار   شباب ابني او عليه بالگلب ونصار
بعد ما ظل لبوك اعوان ونصار   او بيه اگطعت يوم الغاضريه
     
 
بُنيَّ بنارِ الحزنِ قلبي يصطلي   عليك وأمسى خالياً منك منزلي
فإنك بدرٌ في المخيم كنت لي   وكنت أراني في زفافك تنجلي
 

همومي ولكن خيب الدهر مقصدي

 

من سيرة علي الاكبر (عليه السلام)

وبعض القصص النافعة في مصيبته

* عن عتبة بن سمعان الكلبي قال: لما أر تحلنا من قصر ابن مقاتل وسرنا ساعة خفق رأس الحسين خفقة ثم انتبه فأقبل يقول: ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) و ( الحمد لله رب العالمين ) مرتين

فأقبل إليه علي بن الحسين وهو على فرس فقال له: يا أبت جعلت فداك مم استرجعت؟ وعلام حمدت الله؟

قال الحسين: يا بني إنه عرض لي فارس على فرس فقال: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم فعلمت انها أنفسنا نعيت الينا

فقال: يا أبتاه لا أراك الله سوء ابدا السنا على الحق؟

قال: بلى والذي يرجع إليه العباد.

فقال: يا أبت فإذا لا نبالي

قال: جزاك الله خير ما جزى ولد عن والده.

* * *

** قال ابن عباس: لما كنا في حرب صفين دعا علي (عليه السلام) ابنه محمد بن الحنفية فقال له: يا بني شد على العسكر،

فحمل محمد على ميمنة أصحاب معاوية حتى كشفهم

ثم رجع إلى أبيه مجروحا فقال: يا أبتاه العطش العطش

فسقاه جرعة من الماء وصب الباقي بين درعه وجلده

قال ابن عباس: فوالله لقد رأيت علق الدم يخرج من حلق درعه

فأمهله ساعة ثم قال: يا بني شد على الميسرة، فحمل على ميسرة عسكر معاوية فكشفهم ثم رجع وبه جراحات وهو يقول: الماء الماء يا أباه فسقاه جرعة من الماء وصب الباقي بين درعه وجلده

ثم قال: يا بني شد على القلب فحمل عليهم وقتل منهم فرسانا

ثم رجع إلى أبيه يبكي وقد أثقلته الجراح

فقام إليه أبوه وقبل ما بين عينيه وقال له: فداك أبوك فقد سررتني والله بجهادك هذا بين يدي فما يبكيك أفرحا أم جزعا؟

فقال: يا أبة كيف لا بكي وقد عرضتني للموت ثلاث مرات فسلمني الله وها انا مجروح كما ترى وكلما رجعت إليك لتمهلني وهذان أخواي الحسن والحسين ما تأمرهما بشئ من الحرب،

فقام إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: يا بني أنت ابني وهذان أبناء رسول الله أفلا أصونهما عن القتل؟

فقال: بلى يا أبتاه جعلني الله فداهما من كل سوء.

لما رجع محمد إلى أبيه واستسقى الماء سقاه أمير المؤمنين (عليه السلام)،

لكن لما رجع علي الأكبر إلى أبيه وقال يا أبة العطش قد قتلني فصاح الحسين واغوثاه.... إلى آخر المصيبة.

* * *

*** قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أولادنا أكبادنا فإن عاشوا فتنونا، وإن ماتوا أحزنونا

ولأنهم بمنزلة الكبد من الوالدين فإذا مات أحدهم ترى الكبد ينصدع ويتألم ويوجع. حتى في الحيوانات كما في الرواية: جاء أعرابيان إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يختصمان في ناقة كل منهما يقول: الناقة لي

فقال أحدهما: يا رسول الله أأمر بنحر الناقة فإن في كبدها صدعين

فأمر النبي (صلّى الله عليه وآله) فنحروها واخرجوا كبدها فإذا فيه صدعان

فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): من أين علمت أن في كبدها صدعين؟

قال: يا رسول الله إني نحرت لها ولدين وأنا أدري إن فقد الولد يصدع كبد الوالدين

ساعد الله قلب الحسين (عليه السلام) إذ قطعوا ولده عليا الأكبر بالسيف إربا إربا، ونحروا ولده عبد الله الرضيع

* * *

ويؤيده: إن شيخا من العلماء رأى الحسين (عليه السلام) في منامه مضطجعا على مرقده الشريف وجراحاته تشخب دما

فقال: يا سيدي ما هذا الجراحات؟

قال: هذه الجراحات من ضرب سيوف بني أمية وطعن رماحهم

فأنتبه العالم من نومه فزعا مرعوبا

فلما صار يوم الثاني رأى الحسين (عليه السلام) في منامه ولكن تلك الجراحات لم يجد لها أثرا

فقال يا سيدي ما صارت جراحاتك؟

فقال: إن زواري أخذوا علي بالبكاء فبرئت تلك الجراحات لكنه بقي جراحتان في قلبي لما تندمل وهما لا من ضرب السيوف ولا من طعن الرماح بل ظهر

أحدهما: حين سقط ولدي عن ظهر جواده ونادى رافعا صوته أبتاه عليك مني السلام

والأخرى: حين سقط العباس،

ويظهر من الزيارة الواردة لعلي بن الحسين الأكبر في تحفة الزائر أن الحسين (عليه السلام) لم يزل قلبه مقروح في مصيبة ولده إلى يوم القيامة ومن جملة ما فيها: ولا تسكن عليك من أبيك زفرة الخ الزيارة.

* * *

**** في الارشاد: أن امرأتين تنازعتا على عهد عمر في طفل ادعته كل واحدة منهما ولد لها بغير بينة

فالتبس الحكم في ذلك على عمر وفزع فيه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فاستدعى المرأتين ووعظهما وخوفهما فأقامتا على التنازع والاختلاف

فقال (عليه السلام): إيتوني بمنشار فقالت المرأتان: ما تصنع؟

فقال: أقده نصفين لكل واحدة منكما نصفه

 فسكتت أحداهما وقالت الأخرى: الله يا أمير المؤمنين إن كان لابد من ذلك فقد سمحت به لها

فقال (عليه السلام): الله أكبر هذا ابنك دونها، ولو كان ابنها لرقت وأشفقت

فاعترفت المرأة الأخرى أن الحق مع صاحبها والولد لها

فسر عمر، ودعا لأمير المؤمنين بما فرج عنه في القضاء.

انظر حال أم الولد لما سمعت بالمنشار وأن ولدها يقد نصفين اضطربت وانقلبت بمحض السماع.. فما حال ليلى حين نظرت إلى علي الأكبر مقطعا بالسيوف اربا اربا مفلوق الرأس

* * *

شهادة علي بن الحسين الاكبر (عليه السلام)

ثم تقدم علي بن الحسين (عليهما السلام).

ورفع الحسين (عليه السلام) سبابته نحو السماء وقال: اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك

كنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجهه

اللهم أمنعهم بركات الأرض، وفرقهم تفريقا، ومزقهم تمزيقا، واجعلهم طرائق قددا، ولا ترض الولاة عنهم أبدا، فأنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا.

ثم صاح الحسين (عليه السلام) بعمر بن سعد: مالك؟ قطع الله رحمك، ولا بارك الله لك في أمرك، وسلط عليك من يذبحك بعدي على فراشك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)،

ثم رفع الحسين (عليه السلام) صوته وتلا: " إن الله اصطفى آدم ونوحا وال إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم "

ثم حمل علي بن الحسين (عليهما السلام) على القوم وهو يقول:

أنا علي بن الحسين بن علي   نحن ورب البيت أولى بالنبي
والله لا يحكم فينا ابن الدعي   أطعنكم بالرمح حتى ينثني
أضربكم بالسيف أحمي عن أبي   ضرب غلام هاشمي علوي
 

فلم يزل يقاتل حتى ضج الناس من كثرة من قتل منهم.

وروي أنه قتل على عطشه مائة وعشرين رجلا،

ثم رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة، فقال: يا أبه العطش قد قتلني، ثقل الحديد أجهدني، فهل إلى شربة من ماء سبيل أتقوى بها على الأعداء؟

فبكى الحسين (عليه السلام) وقال: يا بني يعز على محمد (صلّى الله عليه وآله) وعلى علي بن أبي طالب وعلي أن تدعوهم فلا يجيبوك، وتستغيث بهم فلا يغيثوك، يا بني هات لسانك، فأخذ ب‍لسانه فمصه ودفع إليه خاتمه،

وقال: ارجع إلى قتال عدوك فإني أرجو أنك لا تمسي حتى يسقيك جدك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا،

فرجع إلى القتال وهو يقول:

الحرب قد بانت لها الحقائق   وظهرت من بعدها مصادق
والله رب العرش لا نفارق   جموعكم أو تغمد البوارق
 

فلم يزل يقاتل حتى قتل تمام المائتين،

ثم ضربه منقذ بن مرة العبدي لعنه الله على مفرق رأسه ضربة صرعته،

وضربه الناس بأسيافهم،

ثم اعتنق صلوات الله عليه فرسه فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء فقطعوه بسيوفهم إربا إربا.

فلما بلغت الروح التراقي قال رافعا صوته: يا أبتاه هذا جدي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا وهو يقول: العجل العجل فإن لك كأسا مذخورة حتى تشربها الساعة،

فصاح الحسين (عليه السلام) وقال: قتل الله قوما قتلوك، ما أجرأهم على الرحمن وعلى رسوله، وعلى انتهاك حرمة الرسول

بني على الدنيا بعدك العفا.

قال حميد بن مسلم: فكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة.

تنادي بالويل والثبور وتقول: يا حبيباه يا ثمرة فؤاداه، يا نور عيناه.

فسألت عنها، فقيل: هي زينب بنت على (عليهما السلام).

وجاءت وانكبت عليه فجاء الحسين (عليه السلام) وأخذ بيدها فردها إلى الفسطاط.

وأقبل صلوات الله عليه بفتيانه، و قال: احملوا أخاكم.

فحملوه من مصرعه فجاءوا به حتى وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه.

الاستاذ الشيخ محمود الشريفي