بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس : السابع والعشرون |
مصرع أبي الفضل العباس (عليه السلام) |
1/ ذي الحجة / 1432هـ . ق |
عبست وجوه القومِ خوفَ الموتِ | والعباسُ فيهم ضاحكٌ مُتَبَسمُ | |
قَلَبَ اليمينَ على الشمالِ وغاصَ في | الأوساطِ يَحصدُ للرُّؤوس ويحطِمُ |
قال الراوي: ولم يستطع العباسُ صبراً على البقاءِ بعدَ أن فنى صحبُهُ، وأهلُ بيته، ويرى الحسينَ مكثوراً قد انقطع عنهُ المدد، فَطَلَب من أخيه الرُّخصةَ.
فقال له الحسينُ : يا أخي (أنت صاحِبُ لوائِي).
قال العباسُ : قد ضاقَ صدري من هؤلاء المنافقين، وأريد أن آخذ ثأري منهم.
فأمرهُ الحسين (عليه السلام) أن يطلبَ الماء للأطفال.
فذهبَ العباسُ إلى القومِ ووعظَهُم، وحذَّرهُم غَضَبَ الجَّبارِ، فَلمْ ينفَعْ !
فرجعَ إلى أخيه يُخبرُهُ، فسَمعَ الأطفالَ يتَصارَخونَ مِنَ العَطَش.
فثارَت به الحميَّةُ الهاشمِيَّةُ.
ثُمَّ أنهُ رَكِبَ جوادهُ، وأخذ القربةَ، وقصدَ الفُراتَ.
فأحاطَ به أربعةُ آلافٍ؛ ورَموهُ بالنِّبال، فلم يعبأ بجمعهم.
وشدَّ عليهم يَضرِبُهُم بسيفه، فلم تَثْبُتْ له الرِّجالُ.
حتى كشفهم عن الفرات؛ ودخل الماء واغترفَ من الماء ليشربَ، فتذكَّرَ عطش الحسين ومَنْ مَعَهُ، فرمى الماء من يديه وقال :
يا نفسُ من بعد الحسين هوني | وبعدهُ لا كُنتِ أنْ تكوني | |
هذا حُسينٌ وارد المنُونِ | وتشربينَ باردَ المَعينِ |
تاللهِ ما هذا فِعالُ ديني
* * *
اشلون اشرب واخوي احسين عطشان | وسكنه والحرم واطفال رضعان | |
وظن گلب العليل التهب نيران | يريت الماي بعده لا حله او مر |
ثم ملأ القربةَ، ورَكِبَ جوادَهُ، وتوجَّه نحو المُخَيَّمِ، فَقُطعَ عليه الطريقُ.
فحملَ عليهم يضرِبُهُم؛ حتى أكثر القتل فيهم، وكشفهم عن الطريق.
فكَمِنَ له زيدُ بنُ الرُّقاد الجهني، من وراءِ نَخلَةٍ فضرَبَهُ على يمينه فبرَاها.
فأخذ السيفَ بشِمالهِ، وحمَلَ عليهم وهوَ يقولُ :
واللهِ إن قطَعتُمُ يميني | إني أحامي أبداً عن ديني | |
وعن إمامٍ صادق اليقين | نجلِ النبيِّ الطاهرِ الأمين |
فلم يعبأ بيمينه، بعد أن كان همُهُ إيصال الماء إلى أطفال الحسينِ وعياله.
ولكن حكيمَ بنَ الطُّفيل كَمِنَ له من وراء نخلةٍ، فلمَّا مرَّ به ضرَبَهُ على شماله فقطعها.
فوقفَ وهو يَرْتَجِزُ :
يا نفسُ لا تخشي منَ الكُفَّار | وأبشري برَحمَةِ الجَبَّار | |
معَ النَّبي السيدِ المُختارِ | قد قطعُوا ببغيهم يساري |
فأصلِهم يا ربِّ حرَّ النَّار
وتكاثروا عليه ! وأتته السِّهامُ كالمطر.
فأصاب القربَةَ سهمٌ، وأريقَ ماؤُها.
وسهمٌ أصاب صدرَهُ.
وسهمٌ أصابَ عينَهُ.
وضرَبَهُ رجلٌ بالعمود على رأسه ففلقَ هامتهُ !
وسقطَ على الأرض يُنادي: عليكَ منِّي السَّلامُ أبا عبد الله، أدركني يا أخي.
فأتاهُ الحسينُ (عليه السلام) ورآهُ مقطوعَ اليدين، والسَّهمُ نابتٌ في العين.
فقال: الآن انكسر ظهري، وقلَّت حيلتي، وشَمُتَ بي عدُوِّي.
يخويه انكسر ظهري اولا اگدر أگوم | صرت مركز يخويه الكل الهموم | |
يخويه استوحدوني عگبك الگوم | ولا واحد عليّه بعد ينغر |
ثم فاضت روحُهُ الطاهرةُ، ورأسُهُ على صدرِ الحسين×.
ورجعَ الحسينُ إلى المخيَّم، مُنكَسِراً، حزيناً، باكياً، يُكفكِف دُمُوعَهُ بِكُمِّهِ.
فأتتهُ سُكينَةُ وسألتهُ عن عمِّها :
فأخبرَها بقتلِهِ ! وسمِعتهُ زينبُ فصاحَت:
واأخاهُ، وا عبَّاساهُ، واضيعتنا بعدك !
وبكين النسوة، وبكى الحسين معهنَّ، وقال:
وا ضيعتنا بعدك؟!
نادى وقد ملأ البوادي صيحةً | صمُّ الصخور لهولها تتألمُ | |
أأخيَّ من يحمي بناتِ محمدٍ | إن صرن يسترحمنَ من لا يرحمُ |