القصيدة الثانية عشرة / نُظمتْ في مرقد السيدة رقية في دمشق بتاريخ 24/محرّم/1419 :
النور التريب
وراءَ مخابئِ الزمَنِ الكئيبِ | تَوَرّدَ صوتُ خافقِكِ الغريبِ | |
صَداكِ يئزُّ في شجَنٍ عميقٍ | فتُصغي الأرضُ حائرةَ الوجيبِ | |
يُرَدّدُ شهقةً عبرى ، أفاضتْ | تكسُّرَها تَراجيعُ النحيبِ | |
كأنَّ بكلّ ِ حرفٍ خَفْقَ قلبٍ | توَلّهَ في مناغاةِ الحبيبِ | |
قد اغتسلتْ حروفُكِ في دماءٍ | وفي بحرٍ من الدمعِ الخضيبِ | |
وفي أفيائها رعشاتُ كفّ | تمَدُّ إلى عُلا النورِ التريبِ | |
ففوقَ الرمحِ رأسُ أبيكِ يتلو | نداءَ حبيبهِ بصدىً رتيبِ |
القصيدة الثالثة عشرة / نُظمتْ في مرقد السيدة رقية في دمشق بتاريخ 24/محرّم/1419 :
أيتها الساكنة ضفاف دم الحسين
الشعرُ دونَ مداكِ ينحسِرُ | ويحي ، فكيفَ إليكِ أعتذرُ ؟ | |
يا دفقةً من قلبِ ( فاطمةٍ ) | بيضاءَ لامَسَ نورَها السَّحَرُ | |
سكنتْ ضفافَ دمِ ( الحسينِ ) وقد | أحنى عليها وهي تزدَهرُ | |
حتّى تخلّقَ وسطَ خافقهِ | إشراقها فأتى بها القدَرُ | |
وإذا بها من بعدِ مولدِها | هي ذي ( رُقيّةُ ) والعُلا نضِرُ |
* * *
الرُّوحُ دونَ علاكِ منبَهرُ | ويحارُ فيكِ الفكرُ والنظرُ | |
هذا السموُّ الرَحْبُ قد قَصُرَتْ | عنهُ النجومُ وقَصّرَ القمَرُ | |
يجثو الزمانُ لديكِ راعشةً | ساعاتهُ .. وتهابكِ العُصُرُ | |
يا أنتِ يا شفةَ الخلودِ .. عنَا | لندائها الأملاكُ والبشرُ | |
روّي جديبَ السّمعِ في لُغَةٍ | قمْراءَ فوّحَ حولَها الزَّهرُ | |
مخضوبةً بدموعكِ ، امتزجتْ | بنجيعِ نحرِ أبيكِ ينهمرُ | |
ليُطِلَّ وَردٌ .. أو يعودَ شذىً | حانٍ فيُعشِبُ دينُنا العَطِرُ | |
وتعودَ للإنسانِ نبضتُهُ | ويهلَّ في أحلامِهِ الظفَرُ |
* * *
يا أنتِ .. يا روحَ الحسينِ ، هَفتْ | نبضاتهُ ليديكِ تنتظرُ | |
مُدّي إلى أشواقِهِ نهَراً | فحنينُهُ قد طالَ والسفرُ | |
وخذي إليهِ مُناهُ رائقةً | لينامَ جرحٌ ظلَّ يستعرُ | |
مرّي على أوداجهِ بيدٍ | ما زالَ يعشبُ حولَها العمُرُ | |
وضعي بحِجْرِكِ رأسَهُ .. وصِلِي | تلكَ العروقَ بجُثّةٍ نحروا | |
يا علّما يعتادُهُ نفسٌ | فيضمَّ نبضتَكِ التي كسَروا | |
ويقولُ : ( يا روحي رُقيّةُ ؛ ها | إني أتيتُ ) ويصدُقُ الخبَرُ |
القصيدة الرابعة عشرة / كُتبتْ في مرقد السيدة رقية في دمشق بتاريخ 15/صفَر/1419 :
رقية تلفظ أنفاسها
عيناكِ ذارفتانِ ،
خائفتانِ ..
هاربتانِ
للرمحِ الطويلْ
وعيونُ والدِكِ الحسينِ
تُسافرانِ حَمَامتَيْنِ إليكِ
في ليلِ الرحيلْ
نجواكما
تُبكي النجومَ الساهراتْ
يتعثّرُ القمرُ الحزينُ
على بحارِ الدمعِ
تنتحبُ المجرّاتُ الشجيّةُ في الظلامْ !
نجواكما
شفَةٌ تُردّدُ همسَ ربّكما ..
فيُعولُ جبرئيلْ
ما زال يسمعُ صوتَكِ المُتهدّجَ المُلتاعَ
يندبُ رأسَ نورِ اللهِ
في الصمتِ الثقيلْ :
أبتاهُ ؛
أينَ وميضُ عينيكَ الجميلْ ؟
أينَ ابتسامتُكَ الوضيئةُ
تحتوي جسدي النحيلْ ؟
أين النداءُ الحلْوُ :
(( يا روحي ،
رُقيّةُ ؛
ها أتيتُ ..
فأوقدي القنديلَ
وافترشي المُصلّى ..
سامريني )) ؟
أبتاهُ ؛
أينَ يداكَ ؟
أينَ نصاعةُ النحرِ الملوَّنِ بالضياءْ ؟..
أبتاهُ ؛
هاجَ الشوقُ بي
فلْتَحضِنِ القلبَ
الذي ينسابُ نحوَكَ يا حبيبي ..
أواهُ يا أبتاهُ ؛
أينَ تركتَ صدرَكَ
ذلكَ المأوى لكلّ ِ جوى القلوبِ
* * * * *
أبتاهُ ..
يا أبتاهُ ؛
أرَّقني بكاءُ ( سكينةٍ ) في الليلِ ..
ها إني سمِعتُ أنينَ هَمْسِ ندائها
ورأيتُ
كيفَ جثَتْ بناتُ الكونِ
عندَ دُموعِها الغُدرانِ
حينَ سقتْ بَريقَ سنائها ...
* * * * *
أبتاهُ
يا أبتاهُ
يا أبتاهُ ؛
حُزْني المُرُّ يُحرِقُني
وذي قطَراتُ نحرِكَ
لم تزلْ تُغري طراوتُها دموعي ..
هذي دماؤكَ لم تزلْ
فوقَ السنانِ
تخطُّ آياتِ الكتابِ
أبتاهُ ؛
كفكفْ دمعتي
إني أذوبُ بقَطْرِها الحرّانِ
مثلَ رؤى السرابِ
أبتاهُ ؛
قلبي جُنَّ فيهِ النبضُ
واضطربَ الوجيبْ ...
أتراكَ تذكرُ ....
أتراكَ تَذكرُ
كيفَ كنتَ تجيءُ نحو خيامِنا
ولهانَ
تحملُ أوجُهَ الأقمارِ
تغسِلُها الجِراحْ ؟
أوّاهُ يا أبتا
أنا ...
للآنَ
أذكرُ ( قاسِماً ) و( الأكبرا )
ما زلتُ حتى هذهِ اللحظاتِ
أسمعُ حشرجاتِ أخي الرضيع ..
ما زلتُ أنظُرُ
كيفَ تهوي رايةُ ( العبّاسِ )
والماءُ المُراقُ
يسيلُ من جُرحِ القُرَيبةِ
يغسلُ الرمضاءَ
علَّ يَرفُّ فيها الياسمينْ
ما زلتُ أذكرُ
كيفَ جاءَ جوادُكَ الباكي
يُحمْحِمُ في أساهُ
وأخي المريضُ
أخي المريضُ
يئِنُّ
والنيرانُ شبَّتْ في خِباهُ ...
ما زلتُ أذكرُ
كيفَ هِمْنا فيِ الصحارى
وخيولُ أعداءٍ تجولُ
ونحنُ
بينَ سياطِهِمْ نعدو حيارى
* * * * *
أبتاهُ
يا أبتاهُ
يا روحي ؛
وأذكرُ
كيفَ كنتُ أراكَ مطروحاً
على جمْرِ الصعيدْ
ومواجعُ الألمِ الرهيبِ
ترقّقُ الصوتَ البعيدْ :
(( قد هانَ ما ألقى ..
ففي عينيكَ يا ربي الحبيبْ )) ..
* * * * *
أوّاهُ ....
وايُتْماهُ ......
ما أشجى اختلاجتَكَ العنيفةَ
حينما فُريَ الوريدْ !..
وبقلبِكَ السهمُ المُثلّثُ
يسرقُ النبضاتِ
يشربُ ما تبقّى من وجيبْ !
* * * * *
أبتاهُ
يا أبتاهُ
يا أبتاهُ
هذا رأسُكَ المرفوعُ
ينظُرُ لي
ويبكي إنْ بكيْتُ
أبتاهُ
يا أبتاهُ
يا أبتاهُ
خُذْ روحي إليكَ
فها .. أنا
حُزناً
فنيْتُ