بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس : العاشر |
في شهادة الإمام علي عليه السلامليلة 19 من شهر رمضان |
20/ رجب / 1436هـ . ق |
لَم أنسَهُ اذ قَامَ في مِحرابِهِ | وسِواهُ في طيف الكرى يَتمتعُ | |
فانسَل يَستلُ ابنُ مُلجَمَ سَيفَهُ | مُتخفياً والليلُ داجٍ أسفَعُ (1) | |
وعليهِ مُذ رفَعَ الصفيحةَ كادَ مِنْ | جَزعٍٍ يَخرُ لَهُ الصفيحُ الأرفع (2) | |
والمسلمونَ تزاحمَوا في أخذِهِ | وعليه قَد سَلّوا السيوفَ وأشرعوا | |
ونَعاهُ جبريلٌ ونادى في السَما | وعليهِ كادَت بالندا تَتَقطَّعُ | |
اليومَ أركانُ الهُدى قَدْ هُدِّمت | اليومَ شَملُ المسلمينَ مُوزعُ | |
اليومَ قَدْ قُتِلَ ابنُ عَم المُصطفى | اليومَ قَدْ قُتِلَ الوصيُ الأنزعُ | |
لم أنس زينبَ مُذ رأته وجسمُهُ | مِنْ فيضِ مفرقِهِ الشريفِ مُلفَّعُ (3) | |
فَغَدَت تُخَضِّبُ شَعَرها بدمائِهِ | وعليه تذرفُ دمعها وتفجعُ | |
هرعت إليه بنوهُ صارخةً وقد | حاطت به ولها عيونٌ تدمعُ |
(تغريد الحزين)
طلعت صارخة شبولك | وللمسجد لفت يمك | |
لنك يا وصي الهادي | خضيب الشيب من دمك | |
حاطت بيك ويلادك | تجري الدمع وتشمّك |
وگام يگلب بجرحك | ولف راسك بالعصابة | |
فتح عينه الوصي حيدر | وشاف ابنه يشد الراس | |
نادى حسين يوليدي | ويچه واختـنگت الأنفاس | |
وانت من يشد جرحك | ونايم عل ثره العباس |
بس زينب بگت يحسين | ومنها العين سچابه |
الگوريز :
إنا لله وإنا إليه راجعون
في ليلة التاسعة عشر من شهر رمضان كان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في دار ابنته أم كلثوم فقدمت له الإفطار في طبق فيه : قرصان من خبز الشعير ، وقصعة فيها لبن وملح، فلما فرغ من صلاته ، أقبل على الإفطار ، فلما نظر إليه وتأمله حرّك رأسه وقال (عليه السلام) : يابنية أتقدمين لأبيك إدامين في طبق واحد ؟ أتريدين أن يطول وقوفي غداً بين يدي الله عزوجل يوم القيامة... يابنية مامن رجل طاب مطعمه ومشربه وملبسه إلاّ طال وقوفه بين يدي الله عزوجل يوم القيامة، ثم حمد الله واثنى عليه ، وقام إلى الصلاة ، ولم يزل راكعاً وساجداً ومبتهلاً ومتضرعاً إلى الله تعالى ، وكان يكثر الدخول والخروج ، وينظر إلى السماء ويقول :هي هي والله الليلة التي وعدنيها حبيبي رسول الله ، ثم رقد هنيئة ، وانتبه وجعل يمسح وجهه بثوبه ، ونهض قائماً على قدميه وهو يقول : اللهم بارك لي في لقائك ، ويكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ثم صلى حتى ذهب بعض الليل ، ثم جلس للتعقيب ، قالت أم كلثوم : لم يزل أبي تلك الليلة قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً ، ثم يخرج ساعة بعد ساعة ، يقلب طرفه في السماء , وينظر في الكواكب وهو يقول : والله ما كَذِبَتُ ولا كُذِبْتُ ، وإنها الليلة التي وعدت بها ، ثم يعود إلى الصلاة ويقول : اللهم بارك لي في الموت ، ويكثر من قول : إنا لله وإنا إليه راجعون , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، قالت أم كلثوم : فلما رأيته قلقاً متململاً ، كثير الذكر والإستغفار ، أرقت معه ليلتي وقلت ، يا أبتاه مالي أراك هذه الليلة لا تذق طعم الرقاد ؟ قال (عليه السلام): بنية قد قرب الأجل ، وانقطع الأمل ، قالت أم كلثوم : فبكيت ، وقلت : يا أبتاه مالك تنعى نفسك منذ الليلة ؟ فقال (عليه السلام) لي : يا بنية لا تبكين ، فإني لم أقل ذلك إلا بما عهد إليّ النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم رجع إلى ما كان عليه من الصلاة والدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى ، قالت أم كلثوم : ثم إنه (عليه السلام) أسبغ الوضوء ، ولبس ثيابه ونزل إلى الدار ، وكان في الدار اوزٌ قد أهدي إلى أخي الحسن (عليه السلام) ، فلما نزل صِحْنَ في وجهه ورفرفنَ ، فقال (عليه السلام) : لا إله إلا الله ، صوائح تتبعها نوائح ، وفي غداة غد يظهر القضاء ، فلما وصل إلى الباب فعالجه ليفتحه ، فتعلق الباب بمئزره ، فانحل مئزره ، فأخذه وشده وهو يقول :
أُشدد حيازيمكَ للموتِ | فإنَّ الموت لاقيكا | |
ولا تجزع من الموتِ | إذا حلَّ بناديكا | |
كما أضحكك الدهرُ | كذاكَ الدهرُ يبكيكا |
ثم قال (عليه السلام) : اللهم بارك لي في الموت ، اللهم بارك لي في لقائك ، قالت أم كلثوم : وكنت أمشي خلفه ، فلما سمعته يقول ذلك، قلت: واغوثاه ، يا أبتاه ، أراك تنعى نفسك منذ الليلة، قال (عليه السلام) : يا بنية ما هو بنعاء ، ولكنها دلالات وعلامات للموت ، يتبع بعضها بعضاً، ودخل الإمام (عليه السلام) إلى المسجد وصلى ، ثم صعد المأذنة ، ووضع سبابتيه في اذنيه وتنحنح، ثم أذن ، فلم يبق في الكوفة بيتٌ إلا اخترقه صوته ، ثم نزل عن المأذنة وهو يسبح الله ويقدِّسُهُ ويكبِّرُهُ ، ويكثر من الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)، وكان (عليه السلام) يتفقد النائمين في المسجد ويقول للنائم: الصلاة ، يرحمك الله ، قم إلى الصلاة المكتوبة ، ثم يتلو: (إنَّ الصلاةَ تنهى عن الفحشاءِ والمنكرِ) ، لم يزل الإمام (عليه السلام) يفعل ذلك ، حتى وصل إلى إبن ملجَم وهو نائمٌ على وجهه ، وقد أخفى سيفه تحت أزاره ، فقال له الإمام (عليه السلام) : يا هذا ، قم من نومك هذا ، فإنها نومة يمقتها الله ، وهي نومة الشيطان ، ونومة أهل النار ، ثم قال له الإمام (عليه السلام) : لقد هممت بشيء تكاد السماوات أن يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً ، ولو شئت لأنباتك بما تحت ثيابك ثم تركه ، وقام الإمام (عليه السلام) قائماً يصلي ، وكان (عليه السلام) يطيل الركوع والسجود في صلاته ، فقام الشقي لإنجاز أكبر جريمةٍ في التاريخ !! وأقبل مسرعاً يمشي حتى وقف بإزاء الاسطوانة التي كان الإمام (عليه السلام) يصلي عندها، فأمهله حتى صلى الركعة الأولى ودخل في الركعة الثانية وسجد السجدة الأولى ، ورفع رأسه منها ، فتقدم اللعين وأخذ السيف وهزّه ثم ضربه على رأسه الشريف وا اماماه وا علياه وا مظلوماه فوقع الإمام على وجهه قائلاً : بسم الله وبالله ، وعلى ملة رسول الله ، ثم قال (عليه السلام) : فزت ورب الكعبة ! هذا ما وعد الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله ، ثم صاح الإمام : قتلني ابن ملجَم ، قتلني إبنُ اليهودية، ايها الناس لا يفوتكم الرجل ، فاصطفقت أبواب الجامع ، وضجت الملائكة في السماء , وهبت ريح عاصف سوداء مظلمة ، ونادى جبرئيل بين السماء والأرض بصوت يسمعه كل مستيقظ: تهدمت والله أركان الهدى، وإنطمست والله أعلام التقى، وإنفصمت والله العروة الوثقى، قُتل ابن عم محمدٍ المصطفى، قُتل الوصي المجتبى، قُتل عليُّ المرتضى، قُتل واللهِ سيدُ الأوصياء، قَتَلَهُ أشقى الأشقياء.
جبريل ناده بالسمه ركن الهدى طاح | ابچتل ابن عم المصطفى او ثاني الاشباح | |
انضرب راسه او سال بالمحراب دمه | والسيف مسموم او سره في الجسد سمه | |
يا حيف ما خلوه لصيامه يتمه | اتكور ابمحرابه او فزت ياهالخلك صاح |
ثم سمع الحسن والحسين صوت جبرائيل وصرخات الناس فأسرعا إلى المسجد ، فاذا بالناس ينادون : وا إماماه وا علياه وا سيداه ، فناديا : وا أبتاه ، وا علياه ! ليت الموت أعدمنا الحياة ، فلما وصلا إلى الجامع ودخلا ، وجدا أباهما على تلك الحالة ، فبكيا بكاءاً شديداً .
طلع ليه الحسن يصرخ والحسين | لگو ويلاه راسه انجسم نصين | |
صاحو يا وسافه يبو الحسنين | ليك اشلون ابن مجلم تجدم |
ووجدا عنده جماعة وهم يشدون جرح الإمام (عليه السلام) فلما وقع بصره على الإمام الحسن أمره أن يصلي بالناس ، فتقدم الامام الحسن (عليه السلام) وصلى بالناس ، وأمير المؤمنين (عليه السلام) صلى إيماء من جلوس ، وهو يمسح الدم عن وجهه وكريمته الشريفة ، ويميل تارة ويسكن أخرى .
ثم جاءوا به محمولاً وبناته والهاشميات أمام باب داره ينتظرن عودته فلما رأينه محمولاً نادت العقيلة زينب بلسان الحال :
صدت او نادت يالمجبلين | هالشايلينه اوياكم امنين | |
اسمع هظل واصياح صوبين | خاف انقتل عودي يطيبين | |
لمن سمعها الحسن واحسين | صاحو يزينب زيدي الونين | |
ابوچ انطبر والراس نصين | صاحت او هملت دمعة العين |
عگبك يبويه اوجوهنه وين
والمرتضى أردوهُ في محرابه | بيمين أشقى العالمين وألعنِ |
(1) الأسفع: الاسود مشربا بالحمرة.
(2) الصفيح الاول: السيف, والصفيح الثاني: السماء.
(3) ملفع: مغطى.