بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس : الثامن عشر |
الليلة السادسة من المحرم الحرام |
3/ذي القعدة / 1435هـ . ق |
القصيدة للسيد سلمان بن السيد داود الحلي (رحمه الله)
أرى العمرَ في صرفِ الزّمانِ يَبيدُ | ويذهبُ لكن ما نراهُ يعودُ | |
فكن رجلاً إن تُنْضَ أثوابُ عيشِهِ | رَثاثاً فثوبُ الفخرِ منهُ جديدُ | |
وإيّاكَ أن تشري الحياةَ بذلّةٍ | هي الموتُ والموتُ المريحُ وجودُ | |
وغيرُ فقيدٍ مَن يموتُ بعزّةٍ | وكلُّ فتىً بالذلِّ عاش فقيدُ | |
لذاكَ نضى ثوبَ الحياة ابنُ فاطمٍ | وخاضَ عبابَ الموتِ وهو فريدُ | |
ولاقى خميساً (1) يملأُ الأرضَ زحفُهُ | بعزمٍ له السبعُ الطّباقُ تميدُ | |
وليس له من ناصرٍ غيرُ نيّفٍ | وسبعينَ ليثاً ما هناك مزيدُ | |
سطت وأنابيتُ الرّماح كأنّها | أجامٌ (2) وهم تحت الرّماح أسودُ | |
وما برحوا عن نصرةِ الدّين والهدى | إلى أن تفانى جمعُهُم وأُبيدوا |
* * *
گضوا حگ العليهم دون الخيام | ولا خلوا خوات احسين تنضام | |
لمن طاحوا تفايض منهم الهام | تهاووا مثل مهوه النجم من خر | |
هذا الرمح بفاده تثنه | او هذا بيه للنشاب رنة | |
او هذا الخيل صدره رضرضنه | او هذا او ذاك بالهندي اموذر | |
ركب خيله وتعنه احسين ليها | لگاها بس جثث وامسلبيها | |
صبت دمع واتحسر عليها | گال احتسب عند الله واصبر |
* * *
الگوريز:
بيّض الله وجوه أنصار الحسين (عليهم السلام)
فهذا جون مولى أبي ذرّ الغفاري وقف أمام الإمام الحسين (عليه السلام) يستأذنه في القتال فقال له الإمام (عليه السلام) «يا جون أنت في إذنٍ منّي فإنّما تبعتنا طلباً للعافية فلا تبتلِ بطريقتنا»، فوقع جون على قدمي أبي عبد الله يقبّلهما ويقول: يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا في الرّخاء ألحسُ قصاعكم وفي الشدّة أخذلكم إنّ ريحي لنتن، وحسبي للئيم، ولوني لأسود فتنفّس عليّ في الجنّة ليطيب ريحي، ويشرُف حسبي، ويبيض لوني، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدّم الأسود مع دمائكم، فأذن له الإمام الحسين (عليه السلام) فبرز وهو يقول:
كيف ترى الفجارُ ضربَ الأسود | بالمشرفيّ والقنا المسدّد |
يذبُّ عن آل النبيّ أحمد
ثم قاتل حتى قُتل، وقيل أنه قتل خمساً وعشرين رجلاً، فوقف عليه الإمام الحسين (عليه السلام) وقال: «اللهمّ بيض وجههُ، وطيّب ريحهُ، واحشره مع الأبرار وعرّف بينه وبين محمدٍ وآل محمد (صلى الله عليه وآله)»، وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) عن أبيه زين العابدين (عليه السلام) أنّ بني أسد الذين حضروا المعركة ليدفنوا القتلى وجدوا جوناً بعد أيّام «من شهادته» تفوح منه رائحةُ المسك.
ثم برز غلامٌ صغير هو عمرو بن جنادة الأنصاري فلما بصر به الإمام الحسين (عليه السلام) قال: هذا غلامٌ قُتل أبوه في الحملة الأولى ولعل أمهُ تكره أن يبرز للقتال، فقال الغلام: سيدي إن أمي هي التي أمرتني بذلك فقال: ارجع إلى المخيم فلما عاد سألته أمهُ أراك رجعت يا نور عيني قال أماه أرجعني سيدي الحسين (عليه السلام) قالت لعله استصغر سنك يا نور عيني ثم عمدت إلى حمائل السيف فقصرتها ومسكته بيده وجاءت به إلى الإمام الحسين (عليه السلام) فقالت: أتثكلُ أمك فاطمة بأبنائها ولا أثكل بأبني سيدي دعه يقاتل بين يديك فقال له الإمام ابرز ولدي بارك الله فيك فبرز ووقف أمام القوم وهو غلامٌ صغير لا تجربة له في الحروب ولكن قلبه امتلأ حباً لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام) فرفع سيفه وارتجز قائلاً:
أميري حسينٌ ونعم الأمير | سرورُ فؤادِ البشير النذير | |
عليٌ وفاطمة والداه | فهل تعلمون له من نضير |
فما كان بأسرع من أن قُتل واحتز رأسُهُ ورمي إلى جهة أمه فأسرعت إليه وحملتهُ مسحت عنه الدم والتراب وقالت ولدي بيض الله وجهك كما بيضت وجهي أمام سيدتي فاطمة الزهراء ثم أخذت عمود الخيمة وبرزت لتقاتل وهي تقول:
إني عجوزٌ في النساء ضعيفة | خاويةٌ باليةٌ نحيفة | |
اضربكم بضربة عنيفة | دون بني فاطمة الشريفه |
فجائها الإمام (عليه السلام) وطلب منها أن تعود إلى الخيمة وهو يقول أمةَ الله عودي للمخيم كتب القتل والقتال علينا وعلى المحصنات جر الذيول فعادت إلى المخيم.
وهذا وهب بن حبّاب الكلبي كان نصرانياً فأسلم على يد الإمام الحسين (عليه السلام) في الطريق وكانت معه أمّه وزوجته فقالت أمّه: ثم يا بنيّ فانصر ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: أفعل يا اُمّاه ولا أقصّر.
ثمّ حمل ولم يزل يُقاتل حتى قتل جماعةً ثمّ رجع إلى أمّه وزوجته وقال: يا أمّاه أرضيت؟ قالت: ما رضيت حتى تُقتل بين يدي الحسين (عليه السلام)، فقالت امرأته: بالله عليك لا تفجعني بنفسك فقالت أمّه: يا بُني أعزب عن قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيّك تنل شفاعة جدّه يوم القيامة، فرجع إلى الميدان ولم يزل يُقاتل حتى قطعت يداه، وأخذت امرأته عموداً وأقبلت نحوه وهي تقول: فداك أبي وأمّي يا وهب قاتل دون الطيبين عترة المصطفى (صلى الله عليه وآله)، فقال لها: كنت تنهينني عن القتال والآن جئت تقاتلين معي، قالت: يا وهب لا تلمني إن واعية الحسين كسرت قلبي، فقال: ما الذي سمعتِ منه؟ قالت: رأيته جالساً بباب الخيمة وهو ينادي وا قلّة ناصراه، فبكى وهب بكاءاً كثيراً وقال لزوجته: ارجعي إلى النساء رحمك الله فأبت فصاح وهب: سيدي أبا عبد الله ردّها إلى الخيمة، فردّها الإمام إلى الخيمة، ثمّ اجتمع القوم على وهب وأردوه قتيلاً رضوان الله تعالى عليه.
وهكذا قُتل الواحد بعد الآخر حتى تفانوا عن آخرهم وبقي الإمام (عليه السلام) بعدهم وحيداً فريداً لا ناصر له ولا معين وجعل ينظر يميناً وشمالاً فلم يرَ أحداً من أصحابه إلا مَن صافح الترابُ جبينه وقطع الحِمامُ أنينَه فنادى: «يا مسلمَ بن عوسجة ويا حبيبَ بن مظاهر ويا زهير بن القين ويا عباس بن علي ويا علي الأكبر ويا فلان ويا فلان يا أبطال الصّفا ويا فرسانَ الهيجا مالي أناديكم فلا تجيبون وأدعوكم فلا تسمعون أنيامٌ أرجوكم تنتبهون أم حالت بينكم وبين سيدكم منيّتكم وهذه بنات رسول الله لفقدكم قد علاهنّ النحول فقوموا عن نومتكم أيّها الكرام وادفعوا عن حرم الرسول الطغاة اللئام».
لما رأى السبطُ أصحابَ الوفا قُتلوا | نادى أبا الفضلِ أين الفارسُ البطلُ | |
وأين مَن دوني الأرواحَ قد بذلوا | بالأمس كانوا معي واليوم قد رحلوا |
وخلفوا بسويدا القلبِ نيرانا
* * *
ما بالهم لا تجيبوني أما سمعوا | ولو رأوني وحيداً ما الذي صنعوا | |
بل هم سُكارى بكاساتِ الرّدى كرعوا | نذرٌ عليّ لئن عادوا وإن رجعوا |
لأزرعنّ طريق الطفّ ريحانا
ليش انادي وما تجيبون النده | رحتوا عنّي ودارت عليه العده | |
أدري بيني وبينكم حال الرده | وعلي صالت بالغضب عدوانها | |
يا علي الأكبر يقاسم يا حبيب | يا هلال الوغه وانوه اعله المغيب | |
ليش انادي وما حصل منكم مجيب | صاح من يحمي الحرم وخدورها |
* * *
أحبّتنا مَن للضعائن بعدكم | فليت فدتكم يا كرامُ الضعائنُ |
(1) - الخميس: هو الجيش لأنّه خمسُ فرق وهي المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والسّاقة.
(2) - آجام: هو الحصن، ومعنى البيت هو أن الرماح لكثرتها صارت كأنها حصن وهم تحت هذا الحصن كالأسود.