أعلمت حين تجاور الحيان | أن القلوب مواقد النيران | |
وعرفت أن صدور ناقد أصبحت | في القوم وهي مرابض الغزلان | |
وعيوننا عوض العيون أمدها | ما غادروا فيها من الغدران | |
ما الوخد هز قبابهم بل هزها | قلبي لما فيه من الخفقان | |
وتراه يكره أن يرى أضعانهم | فكأنما أضحت من الاضغان | |
وبمهجتي قمر إذا ما لاح لل | ساري تضاءل دونه القمران | |
قد ابان للعشاق أن قوامه | سرقت شمائله غصون البان | |
وأراك غصناً في النعيم يميل إذ | غصن الأراك يميل في نعمان (1) | |
للرمح نصل واحد ولقده | من ناظريه إذا رنا نصلان | |
والسيف ليس له سوى جفن وقد | اضحى لصارم طرفه جفنان | |
والسيف ليس له سوى جفن وقد | اضحى لصارم للحظه قوسان | |
ولرب ليل خلت خاطف برقه | ناراً تلفع للدجى بدخان | |
كالمايل الوسنان من طول السرى | جوزاؤه والراقص السكران |
(1) نعمان: واد وراء عرفة.
ما بان فيه من ثرياه سوى | إعجامها والدال في الدبران (1) | |
وترى المجرة في النجوم كأنما | تسقي الرياض بجدول ملآن | |
لو لم تكن نهراً لما عامت به | أبداً نجوم الحوت والسرطان | |
نادمت فيه الفرقدين كأنني | دون الورى وجذيمة أخوان (2) | |
وترفعت هممي فما أرضى سوى | شهب الدجى عوضاً من الخلان | |
وأنفت حين فجعت بالأحباب أن | ألهو عن الإخوان بالخوان | |
وهجرت قوماً ما استجاز سواهم | قدماً قرى الضيفان بالذيفان | |
إلا الأولى نزل الحسين بدارهم | واختار أرضهم على البلدان | |
فجنوا على الإسلام والإيمان إذ | أجنوه مر جناً من المران | |
جعلوا الجفان المترعات لغيره | وقروه ما سلوا من الاجفان | |
وسقوه إذ منعوا الشريعة بعدما | رفضوا الشريعة ماء كان يمان | |
حتى لقد ورد الحمام على الظما | أكرم به من وارد ظمآن | |
لا الدين راعوه ولا فعلوا به | ما يفعل الجيران بالجيران | |
تالله ما نقضوا هناك بقتله | الايمان بل نقضوا عرى الإيمان | |
فثوى وآل المصطفى من حوله | يكبون للجبهات والأذغان | |
نزلوا على حكم السيوف وقد أبوا | في الله حكم بني أبي سفيان | |
وتخيروا عز الممات وفارقوا | فيه حياة مذلة وهوان | |
يا لهفتي لمصرعين قبورهم | في كربلاء حواصل العقبان | |
بزت سوابغ عنهم وتمزقت | أشلاؤهم بسواغب الذؤبان | |
وأنيخ في تلك القفار حمامهم | فأتيح لحم الليث للسرحان | |
إن لم تجن جسومهم في تربها | فلأنها اعتاضت بخير جنان | |
كم روح ثاو منهم قد أصبحت | تختال في روح وفي ريحان(1) |
(1) الدبران: منزل للقمر.
(2) كان جذيمة الابرش ملك الحيرة لا ينادم الا الفرقدين تكبراً عن منادمة الناس.
ما ضرهم والخلد من أوطانهم | أذ أزعجوا كرها عن الاوطان | |
ولقد دنا بهم التقى من ربهم | ونأت رؤسهم عن الابدان | |
وأتى اليهم قومهم ما لم يكن | يأتيه اهل الكفر والطغيان | |
لم يتركوا لهم قتيلاً واحداً | إلا له رأس برأس سنان | |
حتى غدت لمسامع الاطفال فو | ق السمر اخراص من الخرصان | |
عجباً لهم نقلوا رؤسهم وقد | نقلوا فضائلهم عن القرآن | |
وتفرقوا في بغضهم فرقاً وهم | يروون معجزهم عن الفرقان | |
الجاهلية قبلهم لم يغدروا | بهم وكانوا عابدي أوثان | |
أيخاف آل محمد في أمة | شهدت له بالصدق والبرهان | |
ومحمد في قومه مع كفرهم | لما يزل في منعة وأمان | |
فالمشركون أخف جرماً منهم | وأشف يوم الحشر في الميزان | |
ومن العجائب انه عدوا الذي | فعلوه قرباناً من القربان | |
ورجوا به الزلفى كما زعموا ون | يل ألمن عند الواحد المنان | |
واحق من خابت مطامع جهله | من يرتجي الغفران بالكفران | |
أبني أمية خاب مؤتم بكم | فيما مضى من سالف الازمان | |
سقطت غداة وليتموها جهزة | بالغصب هاء خلافة الرحمان | |
وغدت أمارتكم دماراً يستعاذ | الله إن ذكرت من الشيطان | |
لو كان في عصر ملكتم أمره | وقضيتم بالجور والعدوان | |
الصالح المردى الجبابرة الأولى | قدماً عشوا في البغى والعصيان | |
ومبيد أحزاب النفاق بصارم | هو في الحروب وعزمه سيان | |
لأذال أهل الحق من طلقائكم | بشبا سنان قاطع ولسان | |
ولأصبح المختار معدودا له | في جملة الاتباع والاعوان | |
ما مالك النخعى في أفعاله | أبداً كذا الملك العظيم الشان | |
كلا ولا قيس يقاس به إذا | ما عد في الحلماء والشجان |
ان فاته بالطف يوم أول | فله بنصر القصر يوم ثان | |
لو لاه اذ بسط العدى أيديهم | لم يثنها عن أهله يد ثان | |
والخيل تعلم في الكريهة أنه | إن شاء أثكلها على الفرسان | |
عجباً لجود يديه إذ يبني العلى | والسيل يهدم شامخ البنيان | |
ولنار فطنته تريك لشعره | عذباً يروي غلة العطشان | |
وعقود در لو تجسم لفظها | ما رصعت إلا على التيجان | |
وتنزهت عن أن ترى أفرادها | بمواضع الاقراط في الآذان | |
من كل رائقة الجمال زهت بها | بين القصائد غرة السلطان | |
سيارة في الأرض لا تعتاقها | في سيرها قيد من الاوزان | |
يا منعماً ما للثناء ولو غلا | يوماً بما تولي يداه يدان | |
فلدت أعناق البرية كلها | مننا تحمل ثقلها الثقلان | |
حق تساوى الناس فيك واصبح | القاصي بمنزلة القريب الداني | |
ورحمت أهل العجز منهم مثلما | أصبحت تغفر للمسيء الجاني |