يا ديار الأحباب كيف تحوّل | تِ قفاراً ولم تكوني قفارا ؟ | |
ومحت منك حادثات الليالي | رغم أنفي الشموس والأقمارا | |
واسترد الزمان منك «وماسا | ور» في ذاك كلّه ما أعارا | |
ورأتكِ العيون ليلاً بهيماً | بعد أن كنت للعيون نهارا | |
كم لياليّ فيك همّا طوال | ولقد كنّ قبل ذاك قصارا | |
لِمَ أصبحت لي ثماداً وقد كن | تِ لمن يبتغي نداكِ بحارا ؟ | |
ولقد كنتِ برهةً لي يميناً | ما توقعتُ أن تكوني يَسارا | |
إن قوماً حلوك دهراً وولَّوا | أوحشوا بالنوى علينا الديارا | |
زوّدونا ما يمنع الغمضَ للعي | ن وينبي عن الجنوب القرار | |
يا خليلي كن طائعاً لي مادم | ت خليلاً وإن ركبتَ الخطارا | |
ما أبالي فيك الحذار فلا تخش | إذا ما رضيت عنك حذارا | |
عُج بأرض الطفوف عيسك وأعقل | هن فيها ولا تجزهن دارا | |
وابكِ لي مُسعداً لحزني وأمنح | ني دموعاً إن كن فيك غزارا | |
فلنا بالطفوف قتلى ولا ذنبَ | سوى البغى من عدى وأُسارى | |
لم يذوقوا الردى جُزافاً ولكن | بعد أن أكرهوا القنا والشّفارا | |
وأطاروا فَراشَ كلّ رءوس | وأماروا ذاك النجيع المسمارا | |
إن يوم الطفوف رنّحنى حُز | ناً عليكم وما شربتُ عقارا | |
وإذا [ما] ذكرتُ منه الذي ما | كنتُ أنساه ضيق الأقطارا | |
ورمى بي على الهموم وألقى | حَيَداً عن تنعمي وأزورارا | |
كدتُ لما رأيت إقدامهم في | ه عليكم أن أهتك الأستارا | |
وأقول الذي كتمتُ زماناً | وتوارى عن الحشا ما توارى |
قل لقوم بنوا بغير أساس | في ديارٍ ما يملكون مَنارا | |
واستعاروا من الزمان وما زا | لت لياليه تستردّ المعارا : | |
ليس أمرٌ غصبتموه لزاماً | لا ولا منزل سكنتم قرارا | |
أيّ شيء نفعاً وضراً على ما | عوّد الدهر لم يكن أطوارا ؟ | |
قد غدرتم كما علمتم بقومٍ | لم يكن فيهم فتى غرارا | |
ودعوتم منهم إليكم مجيباً | كرماً منهم وعوداً نضارا | |
أمنوكم فما وفيتم وكم ذا | آمن من وفائنا الغدارا | |
ولكم عنهم نجاءٌ بعيد | لو رضوا بالنجاء منكم فرارا | |
وأتوكم كما أردتم فلما | عاينوا عسكراً لكم جرارا | |
وسيوفاً طووا عليها أكفّا | وقناً في أيمانكم خطارا | |
علموا أنكم خدعتم وقد يُخد | عُ مكراً مَن لم يكنَ مكارا | |
كان من قبل ذاك ستر رقيق | بيننا فاستلبتم الأستارا | |
وتناسيتم وما قدمَ العه | د عهوداً معقودة وذمارا | |
ومقالاً ما قيل رجماً محالاً | وكلاماً ما قيل فينا سرارا | |
قد سبرناكم فكنتم سراباً | وخبرناكم فكنتم خَبارا(1) | |
وهديناكم إلى طرق الحق | فكنتم عنا غفولاً حيارى | |
وأردتم عزاً عزيزاً فما أزدد | تم بذاك الصنيع إلا صغارا | |
وطلبتم ربحاً وكم عادت الأربا | ح ما بيننا فعدن خسارا | |
كان ما تضمرون فينامن الشر | ضماراً ، فالآن عاد جهارا | |
في غدٍ تبصر العيون إذا ما | حُلن فيكم إقبالكم إدبارا | |
وتودّون لو يفيد تمنٍّ | أنكم ما ملكتم دينارا | |
لاولا حزتم بأيديكم في الن | اس ذاك الإيراد والإصدارا | |
عدّ عن معشر تناءوا عن الح | ق وعن شعبه العزيز مزارا |
لم يكونوا زيناً لقومهم الغُرّ | ولكن شيناً طويلاً وعارا | |
وكأنّي أثنيكم عن قبيح | بمقالي أزيدكم إصرارا | |
قد سمعتم ما قال فينا رسول ال | له يتلوه مرة ومرارا | |
وهو الجاعل الذين تراخوا | عن هوانا من قومه كفارا | |
وإذا ما عصيتم في ذويه | حال منكم إقراركم إنكارا | |
ليس عذر لكم فيقبله ال | له غداً يوم يقبل الأعذارا | |
وغررتم بالحلم عنكم وما زي | دَ جهول بالحلم إلا اغترارا | |
وأخذتم عما جرى يوم بدر | وحنين فيما تخالون ثارا | |
حاشَ لله ما قطعتم قتيلاً | لا ولا صرتم بذاك مصارا | |
إن نور الاسلام ثاوٍ وما اسطا | عَ رجال أن يكسفوا الأنوارا | |
قد ثللنا عروشكم وطمسنا | بيد الحق تلكم الآثارا | |
وطردناكم عن الكفر بال | له مقاماً ومنطقاً وديارا | |
ثم قدناكم إلينا كما قا | دت رعاة الأنعام فينا العشارا | |
كم أطعتم أمراً لنا واطرحنا | ماتقولون ذلة واحتقارا | |
وفضلناكم وما كنتم قطّ عن | الطائلين إلا قصارا | |
كم لنا منكم جروح رغاب | وجروح لما يكنّ جبارا | |
وضِرارٌ لولا الوصية بالسل | م وبالحلم خاب ذاك ضرارا | |
وادعيتم الى نزارٍ وأنى | صدقكم بعد أن فضحتم نزارا | |
واذا ما الفروع حدنَ عن الأص | ل بعيدا فما قربن نجارا | |
إن قوماً دنوا إلينا وشبوا | ضَرماً بيننا لهم وأوارا | |
ما أرادوا إلا البوار ولكن | كم حَمى الله مَن أراد البوارا | |
فإلى كم والتجرباتُ شعاري | ودثاري الابس الاغمار(2) | |
وبطيئين عن جميل فإن عنّ | قبيحٌ سعوا له إحضارا |
قسماً بالذي تساق له البد | ن ويكسى فوق الستار ستارا | |
وبقوم أتوا منى لا لشيء | غير أن يقذفوا بها الأحجارا | |
وبأيد يُرفعن في عرفات | داعيات مخوّلاً غفارا | |
كم أتاها مخيّب ما يرجى | فانثنى بالغاً بها الأوطارا | |
والمصلين عند جمع يُرجّو | ن الذي ما استجير إلا أجارا | |
فوق خوص كللن من بعد أن ب | لّغنَ تلك الآماد والأسفارا | |
وأعاد الهجير والقر والروحا | تُ منها تحت الهجار هجارا | |
يا بني الوحي والرسالة والتط | هير من ربهم لهم إكبارا | |
إنكم خير من تكون له الخض | راء سقفاً والعاصفات إزارا | |
وإذا ما شفعتم من ذنوب ال | خلق طراً كانت هباء مطارا | |
ولقد كنتم لدين رسول ال | له فينا الأسماعَ والأبصارا | |
كم أداري العدا فهل في غيوب ال | له يوم أخشى به وأدارى ؟ | |
وأصادي اللئامَ دهري فهل يق | ضى بأن بتّ للأكارم جارا ؟ | |
وأقاسي الشدات بُعداً وقرباً | وأخوض النغمار ثم الغمارا | |
وأموراً يعيين للخلق لولا | أنني كنتُ في الاذى صبارا | |
أنا ظام وليس أنقع أن أب | صر في الناس ديمة مدرارا | |
وطموح الى الخيار فما تب | صر عيني في الخلق الا الشرارا | |
ليت أني طِوال هذي الليالي | نلتُ فيهن ساعة إيثارا | |
وإذا لم أذق من الدهر إحلا | ءً مدى العمر لم أذق إمراراً | |
مِيّ أنى ليَ أن أقصر اليوم عن كل | الأماني إن أملك الإقصارا ؟(3) | |
سالياً عن غروس أيدي الليالي | كيف شاءت وقد رأيت الثمارا | |
أيُ نفعٍ في أن أراها دياراً | خاليات ولا أرى دَيّارا | |
وسُكارى الزمان بالطمع الكا | ذب فيه أعيوا عليّ السكارى |
فسقى الله ما نزلتم من الأر | ض عليه الأنواءَ والأمطارا | |
وإذا ما اغتدى اليها قطار | فثنى الله للرواح قطارا | |
ما حدا راكب بركب وما | دبّ مطيّ الفلاة فيها وسارا | |
لست أرضى في نصركم وقد اح | تجتم الى النصر مني الأشعارا | |
غير أني متى نصرتم بطعن | أو بضربٍ أسابق النصارا | |
والى أن يزول عن كفي المن | ع خذوا اليوم من لساني انتصارا | |
واسمعوا ناظرين نصر يميني | بشبا البيض فحليَ الهدّار | |
فلساني يحكي حسامي طويلاً | بطويل وما الغِرار غِرارا | |
وأمرنا بالصبر كي يأتي الأم | ر وما كلنا يطيق اصطبارا | |
وإذا لم نكن صبرنا اختياراً | عن مراد فقد صبرنا اضطرارا | |
أنا مهما جريت في مدحكم شأ | واً بعيداً فلن أخاف العثارا | |
وإذا ما رثيتكم بقوافيّ | سراعاً فمُرجَل الحي سارا | |
عاضني الله في فضائلكم عل | ماً بشكٍّ وزادني استبصارا | |
وأراني منكم وفيكم سريعاً | كل يوم ما يُعجب الأبصارا |
(1) الخبار : بالفتح مالان من الارض واسترخى .
(2) الشعار : الثوب الذي يلي البدن ، والدثار فوقه ، والاغمار : الحمقى والجهلاء .
(3) مي : ترخيم مية ، منادى محذوف حرف النداء الياء .