يا يوم عاشورا كم أطردت لي أملاً | قد كان قبلك عندي غير مطرود | |
أنت المرنق عيشي بعد صفوته | ومولج البيض من شيبي على السود | |
جُز بالطفوف فكم فيهن من جبل | خر القضاء به بين الجلاميد | |
وكم جريح بلا آسٍ تمزقه | إما النسور وإما أضبع البيد(1) | |
وكم سليب رماح غير مستتر | وكم صريع حمام غير ملحود | |
كأن أوجههم بيضاً «ملألئة» | كواكب في عراص القفرة السود | |
لم يطعموا الموتَ إلا بعد أن حطموا | بالضرب والطعن أعناق الصناديد | |
ولم يدعُ فيهم خوف الجزاء غداً | دماً لترب ولا لحماً إلى سيد(2) | |
من كل أبلج كالدينار تشهده | وسط النديّ بفضل غير مجحود | |
يغشى الهياج بكف غير منقبض | عن الضراب وقلب غير مزءود | |
لم يعرفوا غير بثّ العرف بينهم | عفواً ولا طبعوا إلا على الجود | |
يا آل أحمد كم تلوى حقوقكم | لي الغرائب عن نبت القراديد(3) | |
وكم أراكم بأجواز الفلا جزراً | مبددين ولكن أي تبديد ؟ | |
لو كان ينصفكم من ليس ينصفكم | ألقى إليكم مطيعاً بالمقاديد | |
حُسدتم الفضل لم يحرزه غيركم | والناس «ما» بين محروم ومحسود | |
جاءوا إليكم وقد أعطوا عهودهم | في فيلق كزهاء الليل ممدود | |
مستمرحين بأيديهم وأرجلهم | كما يشاءون الركض الضمّر القود(4) | |
تهوي بهم كل جرداء مطهمةٍ | هويّ سجل من الأوذام مجدود(5) | |
مستشعرين لأطراف الرماح ومن | حدّ الظبا أدرعاً من نسج داود |
كأن أصوات ضرب الهام بينهم | أصوات دوحٍ بأيدي الريح مبرود | |
حمائم الأيكِ تبكيهم على فَنَن | مرنح بنسيم الريح أُملود | |
نوحي فذاك هدير منك محتسب | على حسين فتعديد كتغريد | |
أُحبكم والذي طاف الحجيج به | بمبتنى بإزاء العرش مقصود | |
وزمزمٍ كلما قسنا مواردها | أوفى وأربى على كل المواريد | |
والموقفين وما ضحوا على عجلٍ | عند الجمار من الكوم «المقاحيد»(6) | |
وكل نسك تلقاه القبول فما | أمسى وأصبح إلا غير مردود | |
وارتضى أنني قد متّ قبلكم | في موقف بالردينيات مشهود | |
جمّ القتيل فهامات الرجال به | في القاع ما بين متروك ومحصود | |
فقل لآل زياد أيّ معضلة | ركبتموها بتخبيب وتخويد | |
كيف استلبتم من الشجعان أمرهم | والحربُ تغلي بأوغاد عراديد ؟ | |
فرقتم الشمل ممن لف شملكم | وأنتم بين تطريد وتشريد | |
ومَن أعزكم بعد الخمول ومن | أدناكم مِن أمان بعد تبعيد ؟ | |
لولاهم كنتم لحماً لمزدرد | أو خُلسة لقصير الباع معضود | |
أو كالسقاء يبيساً غير ذي بلل | أو كالجناء سقيطاً غير معمود | |
أعطاكم الدهر ما لا بد «يرفعه» | فسالب العود فيها مورق العود | |
ولا شربتم بصفو لا ولا علقت | لكم بنان بأزمان أراغيد | |
ولا ظفرتم وقد جنّت بكم نوب | مقلقلات بتمهيد وتوطيد | |
وحوّل الدهر رياناً الى ظمأ | منكم وبدّل محدوداً بمجدود | |
قد قلت للقوم حطوا من عمائمهم | تحققاً بمصاب السادة الصيد | |
نوحوا عليه فهذا يوم مصرعه | وعددوا إنها أيام تعديد | |
فلي دموعٌ تُباري القطر واكفةٌ | جادت وإن لم أقل يا أدمعي جودي |
(1) الاسي : الطبيب .
(2) السيد . الذئب والاسد .
(3) القراديد . هو ما ارتفع وغلظ من الأرض .
(4) القود : من الخيل ما طال ظهره وعنقه .
(5) السجل . الدلو العظيمة والأوذام جمع الوذمة وهي السير بين آذان الدلو والخشبة المعترضة عليها .
(6) المقاحيد : جمع المقحاد وهي الناقة عظيمة السنام .