خذوا من جفوني ماءها فهي ذُرّف   فما «لكم» إلا الجوى والتلهُّف
وإن أنتما استوقفتما عن مَسيلها   غُروب مآقينا فما هنّ وقف
كأن عيوناً كن زوراً عن البكا   غصون مَطيرات الذُرى فهي وكفّ
دعا العذل والتعنيف في الحزن والأسى   فما هجر الأحزان إلا المعنّف
تقولون لي صبرا جميلاً وليس لي   على الصبر إلا حسرة وتلهف
وكيف أطيق الصبر والحزن كلما   عنفتُ به يقوى عليّ وأضعف
ذكرت بيوم الطف أوتاد أرضه   تهبّ بهم للموت نكباء حرجف
كرامٌ سُقوا ماء الخديعة وارتووا   وسيقوا الى الموت الزُؤام فأوجفوا
فكم مُرهَفٍ فيهم ألم بحدّه   هنالك مسنونُ الغرارين مُرهفُ
ومعتدل مثل القناة مثقفٍ   لواه الى الموت الطويل المثقّف
قَضَوا بعد أن قضّوا منىً من عدوّهم   ولم ينكلوا يوم الطعان ويضعفوا
وراحوا كما شاء لهم أريحيّهٌ   ودَوحَةُ عزٍّ فرعُها متعطّف
فإن ترهم في القاع نَثراً فشملهم   بجنّات عدنٍ جامعٌ متألّف
إذا ما ثنوا تلك الوسائد مُيّلاً   أديرَت عليهم في الزجاجة قرقف
وأحواضهم مورودة فغدّوهم   يُحَلا واصحاب الولاية ترشُف
فلو أنّني شاهدتهم أو شَهِدتهم   هناك وأنياب المنيّةِ تَصرف
لدافعت عنهم واهباً دونهم دمي   ومَن وهب النفس كريمة منصف
ولم يك يخلو من ضرابي وطعنتي   حسامٌ ثليمٌ أو سِنانٌ مقصّفٌ
فيا حاسديهم فضلَهم وهو باهر   وكم حسد الأقوام فضلاً وأسرفوا !
دعوا حلباتِ السبق تمرح خيلُها   وتغدو على مضمارها تتغطرف
ولا تزحفوا زحف الكسير إلى العلا   فلن تلحقوا وللصّلال «التزحف»
وخلوا التكاليف التي لا تفيدكم   فما يستوي طبعٌ نبا وتكلّف
فقد دام إلطاطٌ بهم في حقوقهم   وأعوز إنصاف وطال تحيف
تناسيتم ما قال فيهم نبيّكم   كأن مقالاً قال فيهم محرّف
فكم لرسول الله في الطف من دمٍ   يراق ومن نفس تمات وتتلف
ومن ولدٍ كالعين منه كرامةً   يقاد بأيدي الناكثين ويعسف
عزيزٌ عليه أن تُباع نساؤه   كما بيع قطع في عكاظ وقرطف
يُذَدن عن الماء الرواءِ وترتوى   من الماء أجمالٌ لهم لا تكفكف
فيا لعيونٍ جائرات عن الهدى   ويا لقلوبٍ ضغنها متضعّف
لكم أم لهم بيتٌ بناه على التبقى   وبيتٌ له ذاك الستار المسجّف
به كل يوم من قريشٍ وغيرها   جهيرٌ ملبٍّ أو سريع مطوّف
إذا زارَه يوماً دلوحٌ بذنبهِ   مضى وهو عريانُ الفرا متكشّف
وزمزم والركُب الذي يمسحونه   وأيمانهم من رحمة الله تنطف
ووادي منى تهدى إليه نحائرٌ   تكبّ على الأذقان قسراً فتحتف(1)
وجمعٌ وما جمعٌ لمن ساف تُربه   ومن قبله يوم الوقوف المعرّف
وأنتم نصرتم أم هم يوم خيبرٍ   نبيّكم حيث الأسنة ترعف ؟
فررتم وما فرّوا وحدتم عن الردى   وما عنه منهم حائد متحرّف
فحصنٌ مشيدٌ بالسيوف مهدّم   وبابٌ منيع بالأنامل يُقذَف
توقفتم خوف الردى عن مواقف   وما فيهم من خيفةٍ يتوقّف
لهم دونكم في يوم بَدرٍ وبعدها   بيوم حنين كلّما لا يزحلَف
فقل لبني حرب وإن كان بيننا   من النسب الداني مرائر تحصف
أفي الحقّ أنّا مخرجوكم إلى الهدى   وأنتم بلا نهجٍ إلى الحق يعرف ؟
وإنّا شَببنا في عِراص دياركم   ضياءً وليل الكفر فيهنّ مُسدف
وإنّا رفعناكم فأشرف منكم   بنا فوق هامات الأعزّة مِشرف
وها أنتم ترموننا بجنادل   لها سُحُبُ ظلماؤها لا تُكشّف
لنا منكم في كلّ يومٍ وليلة   قتيل صريع أو شريد مخوّف
فخرتم بما ملّكتموه وإنكم   سِمان من الأموال إذ نحن شُسّف(2)
وما الفخر يا مَن يجهل الفخرللفتى   قميص موشّى أو رداءٌ مفوّف
وما فخرنا إلا الذي هبطت به ال   ملائك أو ما قد حوى منه مُصحف
يقرّ به مَن لا يطيق دفاعَه   ويعرفه في القوم مَن يتعرّف
ولمّا ركبنا ما ركبنا من الذُرا   وليس لكم في موضع الردف مردف
تيقنتم أنّا بما قد حويتم   أحقّ وأولى في الأنام وأعرف
ولكن أمراً حاد عنه محصّل   وأهوى إليه خابط متعسف
وكم من عتيقٍ قد نبا بيمينه   حسامُ وكم قطّ الضريبة مقرف(3)
فلا تركبوا أعوادَنا فركوبها   لمن يركب اليوم العبوس فيوجف
ولا تسكنوا أوطاننا فعراصنا   تميل بكم شوقاً إلينا وترجف
ولا تكشفوا ما بيننا من حقائد   طواها الرجال الحازمون ولفّفوا
وكونوا لنا إمّا عدوّاً مجملاً   وإما صديقاً دهره يتلطف
فللخير إن آثرتم الخير موضعٌ   وللشرّ إن أحببتم الشر موقف
عكفنا على ما تعلمون من التقى   وأنتم على ما يعلم الله عكّف
لكم كل موقوذ بكظّة بطنه   وليس لنا إلا الهضيم المخفف
الى كم أداري مَن أُداري من العِدا   وأهدن قوماً بالجميل وألطف ؟
تلاعب بي ايدي الرجال وليس لي   من الجور مُنجٍ لا ولا الظلم منصف
وحشو ضلوعي كل نجلاءَ ثرّةٍ   متى ألّفوها اقسمت لا تألف
فظاهرها بادي السريرة فاغرٌ   وباطنها خاوي الدخيلةِ أجوف
إذا قلتُ يوماً قد تلاءم جرحها   تحكك بالأيدي عليّ وتقرف
فكم ذا ألاقي منهم كل رابح   وما أنا إلا أعزل الكف أكتف
وكم أنا فيهم خاضعٌ ذو استكانة   كأني ما بين الأصحّاء مُدنف
اقاد كأني بالزمام مُجلّب   بطيء الخطا عاري الأضالع أعجف
وأرسِف في قيد من الحزم عنوةً   ومن ذيدَ عن بسط الخطا فهو يرسف
ويلصق بي من ليس يدري كلالة   وأحسَبُ مضعوفاً وغيري المضعّف
وعدنا بما منّا عيون كثيرة   شخوص الى إدراكه ليس تطرف
وقيل لنا حان المدا فتوكفوا   فيا حججاً لله طال التوكف
فحاشا لنا من ريبةٍ بمقالكم   وحاشا لكم من أن تقولوا فتخلفوا
ولم أخشَ إلا من معاجلة الردى   فأصرف عن ذاك الزمان وأُصدف

(1) تحتف : تهلك .

(2) الشسف : جمع الشاسف وهو الضامر الهزيل .

(3) المقرف . المتهم والمعيب