يزور عن «حَسناء» زورة خائفِ   تعرّضُ طيفِ آخرَ الليل طائف
فأشبهها لم تغدُ مسكاً لناشقٍ   كما عوّدت ولا رحيقاً لراشفِ
قصيةُ دارٍ قرّبَ النومُ شخصها   ومانعة أهدت سلام مساعف
ألينُ وتغري بالإناء كأنما   تبرّ بهجراني أليه حالفِ
و«بالغور» للناسين عهدي منزل   حنانيك من شاتِ لديه وصائفِ
أغالط فيه سائلاً لا جهالة   فأسال عنه وهو بادي المعارف
ويعذلني في الدار صحبي كأنني   على عَرَصات الحب أولُ واقفِ
خليليّ إن حالت ولم أرض بيننا   طوالُ الفيافي أو عِراض التنائفِ
فلا زرّ ذاك السجفُ إلا لكاشفٍ   ولا تمّ ذاك البدر إلا لكاسف
فإن خفتما شوقي فقد تأمنانِه   بخاتلةٍ بين القنا والمخاوف
بصفراء لو حلت قديماً لشارب   لصنّت فما حلّت فتاةً لقاطف
يطوف بها من آل «كسرى» مقرطق   يحدّث عنها من ملوك الطوائف
سقى الحسن حمراء السلافة خدّه   فأنبع نبتاً أخضراً في السوائف
وأحلف أنى شُعشعت لي بكفّه   سلوتُ سوى همٍّ لقلبي محالفِ
عصيت على الأيام أن ينتزعنه   بنهي عذولٍ أو خداعِ ملاطفِ
جوى كلما استخفى ليخمد هاجه   سنا بارقٍ من أرض «كوفان» خاطف
يذكّرني مثوى «عليّ» كأنني   سمعت بذاك الرزء صيحة هاتف
ركبت القوافي ردف شوقي مطيّةً   تخبّ بجاري دمعي المترادف
الى غايةٍ من مدحه إن بلغتها   هزأتُ بأذيال الرياح العواصف
وما أنا من تلك المفازة مدرك   بنفسي ولو عرّضتها للمتالف
ولكن تؤدّي الشهد إصبع ذائقٍ   وتعلقُ ريح المسك راحةُ دائف(1)
بنفسي مَن كانت مع الله نفسه   اذا قلّ يوم الحق مَن لم يجازف
إذا ما عزوا ديناً فآخر عابد   وإن قسموا دنياً فأول عائفِ
كفى «يوم بدر» شاهد «وهوازن»   لمستأخرين عنها ومزاحف
«وخيبر» ذات الباب وهي ثقيلة ال   مرام على أيدي الخطوب الخفائف
أبا «حسنٍ» إن أنكروا الحق [واضحاً]   على أنه والله إنكارُ عارف
فإلا سعى للبين أخمص بازلٍ   وإلا سمت للنعل إصبع خاصف
وإلا كما كنتَ ابنَ عمٍّ وواليا   وصهراً وصفوا كان مَن لم يقارف
أخصّك بالتفضيل إلا لعلمه   بعجزهم عن بعض تلك المواقف
نوى الغدر أقوام فخانوك بعده   وما آنف في الغدر إلا كسالف
وهبهم سفاها صححوا فيك قوله   فهل دفعوا ما عنده في المصاحف
سلام على الاسلام بعدك إنهم   يسومونه بالجور خطة خاسف
وجدّدها «بالطف» بابنك عصبة   أباحوا لذاك القرف حكّة قارف
يعزّ على «محمد» بابن بنته   صبيب دمٍ من بين جنبيك واكفِ
أجازَوك حقاً في الخلافة غادروا   جوامع منه في رقاب الخلائف
أيا عاطشاً في مصرعٍ لو شهدتُه   سقيتك فيه من دموعي الذوارف
سقى غلّتي بحر بقبرك إنني   على غير إلمامٍ به غير آسف
وأهدى اليه الزائرون تحيّتي   لأشرف إن عيني له لم تشارف
وعادوا فذرّوا بين جنبيّ تربة   شفائي مما استحقبوا في المخاوف
أُسرّ لمن والاك حب موافق   وأبدي لمن عاداك سبّ مخالف
دعيّ سعى سعي الأسود وقد مشى   سواه اليها أمس مشيَ الخوائف(2)
وأغرى بك الحساد أنك لم تكن   على صنم فيما روَوه بعاكف
وكنت حصان الجيب من يد غامرٍ   كذاك حصان العرض من فم قاذف
وما نسب ما بين جنبيّ تالدٌ   بغالب ودٍّ بين جنبيّ طارف
وكم حاسد لي ودّ لو لم يعش ولم   أنابله(3) في تأبينكم وأسايف
تصرّفت في مدحيكم فتركته   يعضّ عليّ الكفّ عضّ الصوارف
هواكم هو الدنيا وأعلم أنه   يبيّضُ يومَ الحشر سودَ الصحائف

(1) الدائف : الخالط الذي يخلط المسك بغيره من الطيب

(2) الخوالف : النساء .

(3) انابله : أراميه بالنبل . أسايف : أجالده بالسيف .